منذ اللحظة الاولي عندما خطا الي داخل العيادة رأيت فيه حطام رجل.. كان واضحا للغاية.. لم ابدأ في التعرف علي حالته بعد ولكن هذا الانكسار والذبول والمعاناة في كل شهيق وزفير لاتخطئه عين ووزنه وحجمه الهائل لم يشفعا له.. الألم واضح في قسماته مع ارهاق عنيف وتعرق غزير وكأنه لتوه أنهي ماراثون طويل..دقائق من الصمت ليلتقط أنفاسه اللاهثه ثم بدأت معه.. وكلما تكلم ازدادت دهشتي فقد كان في أواخر الثلاثينات -رغم انه يبدو اكبر بسنوات وسنوات- أصيب بمرضي السكر والضغط منذ سنوات ولا ينتظم في العلاج لإنه يمل بسرعه ولأن إدمانه الأقوي هو الاكل.. شراهة الطعام تتغلب علي أي رغبة اخري لديه.. كانت متعته ولذته اللتي تعوضه عن أي نواقص في الحياه.. حجمه في ازدياد بسرعه ولا يستطيع السيطرة علي وزنه ولكن لم يردعه ذلك بل بدأ في الانعزال تدريجيا عن الناس حتي عن اهله فكانت غرفته الوحيده هي حدود عالمه ورجل توصيل الطعام هو صديقه الوحيد.. منذ سنوات اقل بدأت مشكله صعوبة التنفس معه فمع تراكم الدهون علي صدره اصبح يحس بثقل وصعوبه في التنفس ومع هبوط الاكسجين في الدم كان يتعرض الي حالات اختتناق واغماءات خاصة اثناء النوم.. انقذه اخوه -اللذي كان يزوره بالصدفه – من احداها وارغمه علي الذهاب الي الطبيب رغم اعتراضه وبعد الفحوصات والاشعات اخبره الطبيب انه يعاني من سمنة خبيثه مع خناق النوم ولابديل عن النوم بجهاز تنفس والا سيموت اثناء نومه.. اخبره أيضا أن أسلوب حياته هو انتحار بطئ ومؤكد ولا بديل عن التغيير الجذري..رغم كل هذا لم تتولد لديه أي رغبة في التغيير رغم ضغوط ومحاولات امه واخوه وأصدقائه القدامي لكنه لم يتخلي عن أي شيء من عاداته.. زادت حالته سوء فاصبح لايستطيع النوم الا نادرا جدا لصعوبة التنفس ومع الوقت اصبح إبقاء عينيه مفتوحة طول الوقت إنجازا لا يحلم به فمع فقدان القدرة علي النوم فقد القدرة علي التيقظ والانتباه أيضا واصبح يتعرض لاغفاءات-اغماءات- كل بضع دقائق.. اقالوه من عمله مع بداية الامر وفشل في استخراج رخصة القيادة لانه لايستطيع إبقاء نفسه يقظا لدقائق..عند هذه المرحلة كنت أتساءل كيف يمكن ان يتجاهل كل هذا؟ ما هذا الإصرار والتمادي؟ هل حقيقي ان إدمانه للأكل اقوي منه الي درجة ان تتحطم حياته كلها؟.الواقع انه بالفعل كل هذا لم يكن دافعا للقدوم إليّ؟! بل أصابه التهاب بالعمود الفقري في عدة فقرات مما سبب الام عنيفه في الظهر واليدين لا تفلح معها المسكنات مما أدي إلي إنه اغلب الأوقات لا يرتاح الا اذا وضع يديه خلف رأسه لتخفيف الألم وهذا يمنعه من الاكل !..كان اجراء جراء جراحة العمود الفقري مطلوبا ولكنه صعبا الي درجة الاستحالة لوزنه الرهيب.. وكأنها سخرية القدر ان يسعي إليّ لهذا السبب ولكني احسست انها مجرد مكابرة منه أخيرا اقتنع بحقيقة موقفه وادرك تماما فداحة خسائره..لحسن الحظ انه رغم تأخره فإن الجراحة لازالت ممكنة بل ومع التحضير والاستعداد الجيد فلن تكون بتلك الخطورة المتوقعة.. كان تحويل مسار المعدة هو الاختيار الأفضل لحالته..استغرق التحضير للجراحة حوالي أسبوعين وحانت اللحظة الحاسمة.. في الواقع توقعت ان يتراجع او حتي يهرب اكثر من مرة ولكنه ولأول مرة في حياته اصبح يكره حياته السابقة وينشد لحظة ميلاد جديدة.. كان يأمل في الفرصة الثانية اللتي يتمناها الجميع..وقد كان …اجلس معه الان بعد ثلاث سنوات كاملة من الجراحة.. يحمل كل شكر وعرفان.. يتكلم بلهجة ثابتة واثقة… اذكره ويذكرني بذلك -الاخر- اللذي تبرأ منه تمام.. كان قد خسر حوالي 60 كيلو جراما من وزنه بل وشفي تماما من امراض الضغط والسكر وخناق النوم وتخلي عن جهاز تنفس النوم تماما.. بل شفي من الام الظهر تماما وطبيب العظام أكد انه لايحتاج لإجراء الجراحة من الأساس.. كان يحتاج الي هذه الهبة وأحسن استغلالها فقد ولد من جديد..
كانت س.م من اكبر مرضايا عمرا وأكثرهم تفاؤلا وإقبالا علي الحياة كانت تجاوزت ال68 عاما منذ بضعة أسابيع وكانت بصحة جيدة للغاية لولا ان تراكمات تاثير وزنها الزائد قد تسبب في تآكل لمفاصل ركبتيها مما تسبب في الام مبرحة تزايدت مع الوقت حتي وصلت الي مرحلة لاتفلح معها أي مسكنات.. هنا لم يعد امام طبيبها الا اقتراح الحل الوحيد لانقاذها من هذه الالام -وهو الحل الأخير- في هذه الحالة وهو اجراء جراحة تبديل مفصل للركبتين.. وطبعا وافقت علي الفور علي امل في انهاء معاناتها ولكن للأسف حال وزنها الزائد من إتمام الجراحة فقد كانت تعاني من سمنة مفرطة وتحمل حوالي 60 كيلوجراما من الوزن الزائد.. وهنا جاء دوري وحانت أول زيارة لي..
كانت حالة مباشرة وتحتاج الي تحويل مسار معدة بالفعل وساعدتنا صحتها الجيدة في الإسراع بالجراحة دون إجراءات معقدة.. تمت الجراحة بنجاح وخرجت من الجراحة تأمل في فقدان الوزن السريع اللذي يساعدها علي لجراء تبديل المفصل ولكني اصررت ان لا يكون ذلك قبل 6 شهور.. فقد كنت اتمني الأفضل..
ومضي الشهر تلو الشهر فقدت خلالهم 45 كيلوجراما في اول 6 أشهر وحدث ماتوقعته فمع فقدان هذا الكم الهائل من الوزن كان التحسن المذهل في آلام المفاصل لديها ومع اجراء الاشعات المطلوبة أظهرت ان المفاصل توقف تآكلها واستردت عافيتها بل ولا تحتاج الي استبدال المفاصل علي الاطلاق … وكانت بداية حياة جديدة
أن سيدة في أواخر الثلاثينات من العمر متزوجة منذ اكثر من 12 عاما. تعاني من سمنة مفرطة ووزن زائد حوالي 45 كيلوجراما ولكن لم تكن هذه معاناتها فلم يرزقها الله بطفل حتي الان وكان هذا مايؤرقها.. لم تلتفت الي المشكلة في اولي سنوات زواجها ولكن مع الوقت سعت وحاولت وحاولت وحاولت .. استشارت أطباء كثيرين خلال 8 سنوات اجرت محاولات عديدة للتخصيب الصناعي وأطفال الانابيب ولكن باءت كل المحاولات بالفشل.. اخر هؤلاء الأطباء اخبرها انه لا امل في النجاح مع كل هذا الوزن الزائد.. اقترح عليها هدنة لمدة شهور تفقد خلالها قدر ماتفقد من الوزن ثم تعيد المحاولة ثانية..
بدأت بمحاولات غير مجدية بتغيير في نظامها الغذائي ولكن استجابتها كانت دوما ضعيفة ومؤقتة.. هنا جاءت الي..
كان الإحباط واليأس يسيطران عليها ووقعت فريسة للاكتئاب.. كنت بالطبع اقدر معاناتها النفسية بالدرجة الاولي فالضغوط ليست سهلة ابدا .. حاولت اخبرها ان تحاول ولكن في نفس الوق تتقبل قضاء الله وقدره فأنا أؤمن دوما بأن السعادة في الرضا.. ولكنها لم تكن تسمع.. كان تعيش في عالمها الخاص.. تمنيت من كل قلبي ان استطيع مساعدتها.
بدأنا رحلة التحضير لجراحة تكميم المعدة.. وبالفعل أجريت لها الجراحة وكللت بالنجاح.. بعد الجراحة لم تسألني سوي سؤال واحد (متي استطيع ان أحمل؟) اخبرتها ان افضل توقيت بعد سنة ولكن لظروفها الخاصة سنحاول بعد 6 اشهر فقط..
للأسف لم تحضر المتابعات الدورية الروتينية في الأسابيع الاولي وبعد مرور 4 شهور تحديدا كانت فعليا تقتحم عيادتي بكل صخب هاتفة انها حملت دون محاولات صناعية.. عرفت الان فقط واخبرها طبيبها ان فقدانها ل 30 كيلو جراما هو السبب الرئيسي في حملها. كانت تحمل فرحة وامل وبهجة تملأ كوكبنا كله.. ووجها مشرق بابتسامة واسعة.. ابتسامة أمل
All Copyright Rights Reserved © 2021 Dr Mohamed Saber | Powered By REMKI LTD.